يكتب مهدي حسن أن ما نشهده في غزة ليس مجرد "صراع" بل إبادة جماعية تُشارك فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر، عبر السلاح والدعم السياسي والتغطية الإعلامية المنحازة.
تشير صحيفة الجارديان إلى أن منظمات حقوقية وإنسانية بارزة، من بينها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود، قد أكدت منذ أشهر أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية. وفي هذا الأسبوع، انضمت منظمة "بتسيلم"، وهي من أبرز منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، إلى هذا الإجماع قائلة إن "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة".
ويضيف مهدي حسن أن النقاش حول ما إذا كانت غزة تشهد إبادة جماعية قد انتهى فعليًا، لكن ما لم يُعترف به بعد هو أن الولايات المتحدة ليست مجرد متفرج سلبي، بل شريك فعلي في الجريمة. فالولايات المتحدة لم تغض الطرف فقط عن تدمير غزة، بل ساهمت في ذلك بشكل مباشر، وهو ما يُعد جريمة بموجب المادة الثالثة من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
يعترف القائد الإسرائيلي المتقاعد، الجنرال يتسحاق بريك، أن "كل القذائف والذخائر والقنابل الدقيقة والطائرات الحربية مصدرها الولايات المتحدة. بدون الدعم الأمريكي، لا يمكننا مواصلة القتال".
ويعلّق حسن: "إذا كانت هذه هي الحقيقة، فإن ما تفعله الولايات المتحدة يتجاوز التواطؤ، بل هو مشاركة نشطة في إبادة جماعية جارية".
تحت إدارة دونالد ترامب، حصلت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية على الضوء الأخضر الكامل لـ"تطهير" غزة و"إنهاء المهمة"، إلى جانب السلاح والتمويل والمعلومات الاستخباراتية اللازمة. في مارس 2025، حين فرض نتنياهو حصارًا كاملًا على دخول الغذاء والمساعدات لغزة، أكد أن ذلك تم "بالتنسيق الكامل مع ترامب وفريقه". ووفق موقع أكسيوس، فإن ترامب منح نتنياهو "حرية شبه مطلقة" للتصرف كما يشاء في غزة.
أما الجمهوريون في الكونجرس، فقد ذهبوا أبعد من ذلك؛ بعضهم صرّح بضرورة "تدمير غزة بالكامل"، وآخرون – مثل النائب الجمهوري راندى فاين – دعوا إلى "إبادة غزة بالقنابل النووية" وترك الفلسطينيين "يموتون جوعًا".
لكن حسن يشدد على أن التواطؤ لا يقتصر على الجمهوريين فقط. إذ أن أول 16 شهرًا من هذه الحرب الوحشية جرت تحت إدارة ديمقراطية بقيادة جو بايدن، الذي قدم لحكومة نتنياهو كل ما طلبته – من القنابل الثقيلة إلى الحماية السياسية في مجلس الأمن، وحتى التغطية على تقارير داخلية حكومية حذرت من جرائم حرب ومجاعة في غزة.
كما أن غالبية الديمقراطيين في الكونجرس صوّتوا لصالح استمرار تمويل وتسليح إسرائيل، وشاركوا في تبييض الانتهاكات. وفي صيف 2025، التقط سبعة أعضاء ديمقراطيين بارزين في مجلس الشيوخ صورة مبتسمة مع نتنياهو، من بينهم زعيم الأقلية تشاك شومر، الذي اعتبر أن الحديث عن الإبادة الجماعية "معادٍ للسامية"، مؤكدًا أن دوره هو "الحفاظ على تأييد اليسار لإسرائيل".
الصحافة الأمريكية بدورها لعبت دورًا في شرعنة القتل الجماعي. فبينما تبنّت بعض وسائل الإعلام اليمينية خطابًا تحريضيًا، فإن وسائل الإعلام "الليبرالية" ظلت تبرر الأفعال الإسرائيلية وتصف ما يجري بأنه "رد فعل مشروع"، دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم. صحيفة نيويورك تايمز مثلًا وجّهت صحفييها إلى تجنب استخدام كلمات مثل "إبادة جماعية" و"تطهير عرقي"، بحسب ما كشفه موقع ذي إنترسبت.
دراسات أخرى أظهرت انحيازًا صارخًا في التغطية الإعلامية، إذ احتُفظ بالكلمات القوية مثل "مجزرة" و"فظائع" فقط للضحايا الإسرائيليين، بينما قُتِل الفلسطينيون بـ"الخطأ" أو "بشكل غير مباشر". كما أن برامج الحوار السياسية الأمريكية ناقشت ما يجري في غزة لشهور دون استضافة فلسطيني واحد.
ولا يتوقف التواطؤ عند الإعلام والسياسة، بل يمتد إلى المؤسسات الأمريكية الكبرى. الجامعات التي عاقبت الطلاب المحتجين على الإبادة، وشركات المحاماة التي رفضت توظيف متقدمين عبّروا عن دعمهم لفلسطين، وشركات التكنولوجيا الكبرى التي اتهمتها الأمم المتحدة بتحقيق أرباح من وراء الحرب – كلها تشكل شبكة من التواطؤ المؤسسي.
ويختم مهدي حسن مقاله بالقول: "معظم الأمريكيين لا يريدون الاعتراف بأن دولتهم شريكة في واحدة من أسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين. لكن الأدلة دامغة: الولايات المتحدة لم تكتفِ بتزويد إسرائيل بالسلاح، بل أمدّتها بالقنابل التي قتلت المدنيين، وصمتت عن مجازر بحق اللاجئين والأطفال، وساعدت في تجويع السكان عمداً. هذه ستكون وصمة عار في جبين أمريكا، حين يُستخرج آخر جسد من تحت أنقاض غزة".
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/02/the-us-complicit-genocide-israel-gaza